...
الرئيسية » معاناة سكان عين حمو بتينركوك: عزلة خانقة بسبب غياب شبكة الهاتف والإنترنت

معاناة سكان عين حمو بتينركوك: عزلة خانقة بسبب غياب شبكة الهاتف والإنترنت

 

 

ملخص التحقيق: تغوص هذه المقالة في عمق المعاناة اليومية لسكان منطقة عين حمو تينركوك (ولاية تيميمون) الذين يعيشون خارج نطاق التغطية، وتكشف الآثار الكارثية للعزلة الرقمية على التعليم، الصحة، والاقتصاد المحلي.

مقدمة: تناقض صارخ في زمن “الجزائر الرقمية”

في الوقت الذي ترفع فيه السلطات العليا في البلاد شعار “التحول الرقمي” وتتسابق القطاعات الوزارية لرقمنة خدماتها من استخراج الوثائق البيومترية إلى التسجيلات الجامعية وحتى منحة البطالة، لا تزال رقعة جغرافية هامة من ترابنا الوطني تعيش خارج أسوار هذا العصر. إنها منطقة عين حمو، الواقعة ببلدية تينركوك، جوهرة ولاية تيميمون الجديدة.

هنا، لا يعتبر الحديث عن “الجيل الخامس” (5G) ترفاً، بل هو ضرب من الخيال، لأن السكان ببساطة يحلمون بما هو أبسط: إجراء مكالمة هاتفية دون انقطاع، أو إرسال رسالة نصية دون الحاجة لتسلق الكثبان الرملية. إن ضعف شبكة الهاتف النقال وانعدام الإنترنت في عين حمو ليس مجرد خلل تقني عابر، بل هو “إعاقة تنموية” شاملة تفرض عزلة قاسية على المنطقة، وتعطل مصالح المواطنين، وتهدد صحتهم، وتقف حجر عثرة أمام طموحات شباب المنطقة.

1. عين حمو.. الجغرافيا المنسية في قلب الصحراء

لفهم عمق المأساة، يجب أن نضع القارئ في الصورة الجغرافية للمنطقة. عين حمو ليست مجرد حي سكني، بل هي قصر عريق ضارب في التاريخ، يقع في الجهة الشمالية لولاية تيميمون، ويحاذي سلسلة “العرق الغربي الكبير”.

العزلة المضاعفة

يعاني القصر من عزلة مزدوجة:

  • عزلة جغرافية: تفرضه الطبيعة الصحراوية القاسية والمسافات المتباعدة بين القصور ومقر الدائرة أو الولاية.
  • عزلة رقمية: تفرضها التغطية السيئة لشبكات الهاتف، مما يجعل العزلة الجغرافية أشد وطأة. في المدن، تقرب التكنولوجيا المسافات، أما في عين حمو، فغياب التكنولوجيا يضاعف الشعور بالبعد والنسيان.

الكثافة السكانية والحق المهضوم

رغم أن الكثافة السكانية في قصور تينركوك قد لا تضاهي مدن الشمال، إلا أن التوزيع الديموغرافي في عين حمو يشهد تزايداً ملحوظاً. هؤلاء السكان ليسوا بدواً رحلاً، بل مجتمع مستقر له مؤسساته التربوية، أراضيه الفلاحية، ونشاطه التجاري. تجاهل شركات الاتصالات لهذه الكتلة البشرية بحجة “الجدوى الاقتصادية” يعتبر انتهاكاً لمبدأ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد.

2. التشريح التقني للأزمة.. لماذا تغيب الإشارة؟

عند الحديث مع السكان، تتكرر عبارة “الريزو مكانش” (لا توجد شبكة). لكن، ما هي الأسباب التقنية الحقيقية وراء هذا الانعدام؟

نقطة تقنية هامة: تعتمد شبكات الجيل الرابع (4G) على ترددات عالية لا تخترق الحواجز بسهولة، عكس شبكات الجيل الثاني القديمة. وجود الرمال والجدران الطينية السميكة في المنطقة يقتل الإشارة تماماً إذا لم يكن البرج قريباً جداً.

أبرز الأسباب التقنية:

  1. غياب الأبراج القريبة (BTS): السبب الرئيسي والمباشر هو بعد المسافة بين قصر عين حمو وأقرب محطة إرسال. تعتمد شبكات الهاتف على مبدأ “خط النظر”، ومع تباعد الأبراج، تضعف الإشارة وتتلاشى قبل وصولها للمنازل.
  2. تأثير الكثبان الرملية (Sand Dunes Attenuation): علمياً، تعتبر الرمال وتضاريس الكثبان من العوائق الطبيعية التي تمتص موجات الراديو وتشتتها. التغطية في تينركوك لا يمكن أن تعتمد على التخطيط التقليدي للمدن المنبسطة.
  3. تقادم التجهيزات: تشير بعض الشهادات إلى أن الأبراج القريبة (إن وجدت) قديمة ولا تخضع للصيانة الدورية، وربما لا تزال تعمل بتقنيات الجيل الثاني (2G) فقط، والتي عفا عليها الزمن.

3. الجحيم اليومي.. قصص واقعية من قلب المعاناة

الأرقام والإحصائيات لا تكفي لنقل الصورة، لذا ننقل لكم واقعاً معاشاً يعكس حجم المعاناة الإنسانية في عين حمو.

“عندما يمرض أحد في الليل، نعيش كابوساً حقيقياً. نخرج نهرول في الظلام بحثاً عن نقطة فيها إشارة للاتصال بالإسعاف. الدقائق تمر كساعات، وأحياناً نضطر لنقل المريض بسيارة خاصة متهالكة لأن الهاتف مجرد قطعة حديد لا تعمل.”

– أحد سكان المنطقة

قطاع التعليم: اغتيال الطموح الجامعي

طالب جامعي من عين حمو يدرس في جامعة الجزائر أو وهران، يعود في عطلته لزيارة أهله، فيجد نفسه “منفياً علمياً”. لا يستطيع الاطلاع على إعلانات الجامعة، ولا الدخول إلى أرضية “مودل” (Moodle) لتحميل الدروس، ويعجز عن إجراء البحوث البسيطة. هذا الوضع يدفع العديد من الطلبة إلى العزوف عن العودة لديارهم في العطل، مما يضيف أعباء مالية ونفسية.

التواصل الاجتماعي: تمزيق الأواصر

في عصر الفيديو كول، يعتمد المغتربون من أبناء المنطقة على مكالمات الفيديو لرؤية أبنائهم. سكان عين حمو محرومون من هذه النعمة. المكالمات تتقطع، الصوت غير واضح، والصورة حلم بعيد المنال.

4. الاقتصاد المحلي تحت الحصار الرقمي

تتجه الدولة لتنويع الاقتصاد خارج المحروقات، وتعتبر الفلاحة والسياحة البديل الاستراتيجي. لكن كيف يمكن لعين حمو المساهمة في ذلك دون إنترنت؟

1. الفلاحة الذكية والتسويق:

فلاحو المنطقة ينتجون أجود أنواع التمور والخضروات. لكنهم يواجهون صعوبات في معرفة أسعار السوق، فغياب الإنترنت يجعلهم ضحية للسماسرة الذين يفرضون أسعاراً بخسة لعدم دراية الفلاح بأسعار الجملة الوطنية المحدثة لحظياً.

2. السياحة الصحراوية الضائعة:

منطقة تينركوك هي “قبلة الغروب” في العالم. السياح يعتبرون الإنترنت شرطاً أساسياً في رحلاتهم لتوثيق اللحظات. عندما يعلم السائح أن عين حمو منطقة “ميتة رقمياً”، فإنه يتردد في زيارتها، مما يحرم المنطقة من مداخيل هامة.

5. المسؤولية القانونية ودور “سلطة الضبط”

من يتحمل وزر هذا الوضع؟ المسؤولية مشتركة ولكنها محددة بوضوح في القانون الجزائري:

  • صندوق الخدمة الشاملة (Fonds du Service Universel): يساهم متعاملو الهاتف النقال بنسبة من أرباحهم في هذا الصندوق الذي تديره الدولة، والهدف منه حصرياً هو “تغطية المناطق غير المربحة تجارياً”. السؤال المطروح: هل استفادت عين حمو من مخصصات هذا الصندوق؟
  • التزامات دفتر الشروط: شركات (موبيليس، جيزي، أوريدو) ملزمة بدفتر شروط يفرض نسبة تغطية معينة. تملص الشركات من تغطية القصور هو مخالفة قانونية تستوجب تدخل “سلطة ضبط البريد والاتصالات الإلكترونية” (ARPCE).

6. خارطة طريق للحلول المستعجلة

لا نكتفي بتسليط الضوء على المشكلة، بل نقدم حلولاً عملية قابلة للتنفيذ يرفعها السكان لوالي ولاية تيميمون:

مطالب السكان العاجلة:

  1. تركيب محطة بث (BTS) جديدة داخل القصر تدعم الجيل الرابع (4G).
  2. إيفاد لجنة تقنية مختلطة لمعاينة “مناطق الظل” الحقيقية وليس فقط الطرق الرئيسية.
  3. حل استعجالي بتوجيه محطة متنقلة (Mobile Station) للمنطقة لفك العزلة مؤقتاً.
  4. الإسراع في مشروع ربط المنازل بالألياف البصرية (FTTH) كحل جذري.

الخاتمة: نداء أخير.. الاتصال حق مواطنة

إن معاناة سكان عين حمو ببلدية تينركوك هي نموذج مصغر لما تعانيه مناطق الظل في الجنوب الكبير. إن حرمان المواطن من شبكة الهاتف في 2024-2025 هو حكم عليه بالعزلة والتهميش. لا يطلب هؤلاء السكان المستحيل؛ إنهم يطلبون حقهم الدستوري في التواصل، في التعلم، وفي الاستطبابة.

إن الكرة الآن في ملعب والي ولاية تيميمون ووزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية. فهل ستشهد الأيام القادمة انتهاء هذه العزلة الخانقة، أم ستبقى عين حمو خارج نطاق التغطية والاهتمام؟

أسئلة شائعة حول اتصالات عين حمو وتينركوك

هل توجد إنترنت 4G في عين حمو بتينركوك؟

حالياً، الخدمة شبه منعدمة أو ضعيفة جداً لجميع المتعاملين، ويعتمد السكان على التنقل لمسافات بعيدة أو الصعود للكثبان الرملية لالتقاط إشارة ضعيفة.

من هي الجهة المسؤولة عن تحسين الشبكة في المنطقة؟

المسؤولية مشتركة بين شركات الاتصالات (موبيليس، جيزي، أوريدو)، وسلطة ضبط البريد والاتصالات الإلكترونية (ARPCE)، ومديرية البريد لولاية تيميمون.

كيف يمكن لسكان تيميمون تقديم شكوى رسمية؟

يمكن الاتصال بالرقم المختصر 3333 الخاص بسلطة الضبط، أو تقديم شكوى عبر موقعهم الإلكتروني، كما يُنصح بتقديم عرائض جماعية لوالي الولاية لزيادة الضغط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.