...
الرئيسية » كارثة طرقات عين حمو: غضب السكان بسبب التهميش والبريكولاج

كارثة طرقات عين حمو: غضب السكان بسبب التهميش والبريكولاج

ملف أسود مفتوح: مليارات ضائعة، طرقات مدمرة، وعزلة قاتلة.. تحقيق مفصل يكشف خبايا المعاناة اليومية لسكان عين حمو في ظل تعنت المجلس البلدي وفشل مشاريع الصرف الصحي.

في قلب الصحراء الجزائرية الشاسعة، وبين ثنايا الكثبان الرملية الذهبية التي تزين ولاية تيميمون الفتية، تقع منطقة تينركوك، تلك الجوهرة التي لطالما تغنى الشعراء بجمالها وسحر واحاتها. إلا أن الزائر لعمق هذه المنطقة، وتحديداً لقصر عين حمو، سرعان ما يكتشف أن الجمال الطبيعي يخفي خلفه مأساة تنموية حقيقية، وجرحاً غائراً في جسد البنية التحتية، ينزف منذ سنوات دون أن يجد من يضمده.

لم يعد الحديث عن واقع التنمية في عين حمو مجرد سرد للنقائص الاعتيادية التي قد تعاني منها أي منطقة نائية، بل تحول الأمر إلى قضية رأي عام محلي، وملف ساخن يثير غضب السكان واستياءهم العميق. العنوان العريض لهذا الغضب هو “كارثة الطرقات والمسالك”، تلك الشرايين التي تقطعت أوصالها بفعل فاعل، تارة بسبب قساوة الطبيعة وزحف الرمال، وتارة أخرى -وهو الأدهى والأمر- بسبب يد الإنسان المتمثلة في سوء التسيير، وفساد المشاريع، وسياسة “البريكولاج” التي أصبحت عملة متداولة في تسيير الشأن العام بالمنطقة.

إننا نفتح اليوم هذا الملف الشائك، لننقل صرخة المواطن المغلوب على أمره، ونضع الأصبع على الجرح، مفككين خيوط “الجريمة التنموية” التي ارتكبت في حق شبكة الطرقات بعين حمو، بدءاً من فضيحة مشروع الصرف الصحي، وصولاً إلى العزلة الرقمية، ومروراً بتعسف المنتخبين المحليين.

أصل الحكاية: مشروع الصرف الصحي.. الحلم الذي تحول إلى كابوس

بدأت فصول المعاناة عندما استبشر سكان قصر عين حمو خيراً بإعلان السلطات عن انطلاق مشروع ضخم لتجديد وعصرنة شبكة قنوات الصرف الصحي. كان الهدف النظري للمشروع نبيلاً: حماية البيئة، القضاء على الحفر التقليدية، والحفاظ على المياه الجوفية وواحات النخيل من التلوث. رصدت الدولة لهذا المشروع أغلفة مالية ضخمة تقدر بمليارات السنتيمات، في إطار برامج التنمية التي توليها الحكومة لمناطق الظل.

ولكن، بمجرد انطلاق الآليات في الحفر، بدأت ملامح الكارثة تتشكل. لم يكن المشروع خاضعاً لدراسة تقنية دقيقة تراعي طبيعة تضاريس المنطقة وانحداراتها، ولم تكن هناك رقابة صارمة على المقاولات المكلفة بالإنجاز. تم تكسير الطريق المعبد الوحيد الذي يربط القصر بمركز البلدية، وحفر خنادق عميقة لمد الأنابيب.

البريكولاج سيد الموقف

ما حدث بعد ذلك يمكن وصفه بكلمة واحدة: “البريكولاج”. الأنابيب التي تم وضعها كانت ذات نوعية رديئة أو غير مطابقة للمواصفات التقنية اللازمة لتحمل الضغط والظروف المناخية. عملية الردم تمت بطريقة عشوائية دون دك التربة جيداً، والأخطر من ذلك، أن المقاولات غادرت الميدان دون “إعادة الحالة الطرقا إلى ما كانت عليها” (Remise en l’état)، وهو شرط أساسي في دفتر الشروط.

النتيجة اليوم ماثلة للعيان:

  • فشل وظيفي: شبكة الصرف الصحي الجديدة تعاني من انسدادات متكررة، مما أدى لظهور برك مائية آسنة وسط التجمعات السكنية.
  • تدمير الطريق: تحول الطريق المعبد سابقاً إلى مسلك ترابي وعر، مليء بالحفر والمطبات التي تزداد عمقاً مع كل زخة مطر، لتتحول المنطقة شتاءً إلى مستنقعات من الأوحال، وصيفاً إلى سحابة غبار تخنق الأنفاس.
  • هبوط أرضي: سجل السكان حدوث هبوطات أرضية خطيرة في الأماكن التي مرت بها القنوات، مما يهدد أساسات المنازل المحاذية للطريق وسلامة المارة.

المجلس البلدي الحالي: سياسة الآذان الصماء والتهميش الممنهج

أمام هول الكارثة، توجهت أنظار المواطنين صوب مبنى البلدية، الممثل الشرعي للسكان والمسؤول الأول عن تسيير شؤونهم. لكن الصدمة كانت أكبر من حجم الحفر في الطرقات. يشير سكان عين حمو بأصابع الاتهام المباشرة إلى المجلس البلدي الحاكم حالياً في تينركوك، متهمين إياه بتبني سياسة إقصائية وتهميش ممنهج ضد منطقتهم.

ويرى أعيان وممثلو المجتمع المدني في عين حمو أن منطقتهم تدفع ثمن حسابات سياسية وانتخابية ضيقة. فبينما تشهد مناطق وقصور أخرى تابعة لنفس البلدية عمليات تهيئة وتزفيت للطرقات، تبقى عين حمو خارج دائرة الاهتمام، وكأنها منطقة معاقبة. المراسلات تتكدس في أدراج المكاتب، والوعود التي أطلقها المنتخبون خلال الحملة الانتخابية تبخرت بمجرد جلوسهم على الكراسي.

“نحن لا نطلب المستحيل، نطلب حقنا في طريق يصلح للسير. المليارات صُرفت باسمنا ولكننا لم نرَ منها إلا الغبار وتكسير سياراتنا. المجلس البلدي يتعامل معنا بمنطق ‘الأذن الطرشاء’، وكأننا مواطنون من درجة ثانية.”
– تصريح أحد مواطني عين حمو الغاضبين.

هذا التعسف الإداري لم يقتصر فقط على تجاهل إصلاح الطريق، بل امتد لغياب الإنارة العمومية في أجزاء واسعة من الطريق المدمر، مما حول التنقل ليلاً إلى مغامرة مرعبة.

سجن بلا جدران: عندما تجتمع عزلة الطريق مع عزلة الهاتف والإنترنت

لا تكتمل فصول المعاناة في عين حمو عند حدود الطريق المهترئ. ففي العصر الرقمي، وبينما يتحدث العالم عن الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس، لا يزال سكان عين حمو يبحثون عن إشارة هاتف بسيطة لإجراء مكالمة طارئة. المنطقة تعيش “عزلة مزدوجة”: عزلة جغرافية بسبب الطريق، وعزلة رقمية بسبب غياب الشبكة.

الطلاب الجامعيون يجدون صعوبة بالغة في إجراء بحوثهم، والتجار يعجزون عن تسيير أعمالهم، وحتى المرضى لا يستطيعون الاتصال بالإسعاف في الوقت المناسب. إن غياب تغطية الهاتف النقال وانعدام شبكة الإنترنت (ADSL/4G) يعد انتهاكاً صارخاً لحق المواطن في الاتصال.

لقد قمنا بتغطية هذا الجانب المظلم من حياة السكان في تقرير سابق ومفصل، يسلط الضوء على حجم الفجوة الرقمية وآثارها النفسية والاجتماعية على شباب المنطقة. يمكنكم الاطلاع على التفاصيل الكاملة لهذه المعاناة عبر الرابط التالي:

🔴 ملف خاص: العزلة الرقمية في الجنوب

اقرأ تفاصيل معاناة السكان مع انقطاع العالم الخارجي وتجاهل شركات الاتصال:


اضغط هنا لقراءة المقالة: معاناة سكان عين حمو بتينركوك وعزلة الهاتف والإنترنت

فاتورة الفساد: خسائر اقتصادية واجتماعية لا تحصى

إن تدمير الطريق بسبب أشغال الصرف الصحي الفاشلة لم يكن مجرد إزعاج عابر، بل تسبب في نزيف اقتصادي حاد لسكان المنطقة الذين يعتمد غالبيتهم على الفلاحة وتربية المواشي:

  • 📍 كساد المنتوج الفلاحي: تشتهر تينركوك بإنتاج التمور والخضروات. لكن، يرفض الكثير من تجار الجملة وأصحاب الشاحنات دخول قرية عين حمو خوفاً من تحطم مركباتهم في “حفر الموت”. هذا الوضع يجبر الفلاحين على بيع محاصيلهم بأسعار بخسة أو تكبد عناء نقلها بجراراتهم لمسافات طويلة، مما يقلل من هامش ربحهم ويهدد نشاطهم.
  • 📍 أزمة النقل المدرسي: فلذات أكبادنا هم الضحية الأكبر. حافلات النقل المدرسي المتهالكة أصلاً لا تقوى على السير في هذا الطريق المدمر، مما يؤدي إلى أعطال متكررة، وتأخر التلاميذ عن مقاعد الدراسة، وأحياناً تغيبهم لأيام، مما يضرب التحصيل العلمي في مقتل.
  • 📍 استنزاف جيوب المواطنين: تحولت سيارات “الكلوندستان” وسيارات الخواص إلى “خردة” بسبب الطريق. ينفق المواطن البسيط جزءاً كبيراً من دخله المحدود على قطع الغيار (العجلات، ممتصات الصدمات) لإصلاح ما أفسده “البريكولاج” الحكومي.

رغم الألم.. عين حمو تصنع الفرح: الأعراس الجماعية كرسالة صمود

وسط هذا الركام من المشاكل، ومن بين غبار الطريق، تنبت زهرة الأمل. إن سكان عين حمو، المعروفين بكرمهم وتلاحمهم الاجتماعي، يرفضون الاستسلام لليأس. إنهم يثبتون يوماً بعد يوم أن إرادة الحياة أقوى من فساد المسؤولين ورداءة الطرقات.

وفي هذا السياق، وتحدياً لكل الظروف الصعبة، تستعد جمعية الهدى للأفراح بقرية عين حمو لإطلاق حدث اجتماعي ضخم، ينتظره الجميع بشغف، وهو العرس الجماعي في طبعته السادسة والعشرين (26). هذا التقليد السنوي الراسخ ليس مجرد حفل زفاف، بل هو رسالة سياسية واجتماعية بليغة: “نحن هنا، صامدون، وسنزرع الفرح في أرضنا مهما قست الظروف”.

الحدث المنتظر في ديسمبر 2025 سيكون فرصة لجمع الشمل، ولكنه أيضاً محطة حرجة، حيث يتساءل المنظمون: كيف سنستقبل ضيوفنا من كل ولايات الوطن في ظل هذا الطريق الكارثي؟ إن نجاح هذا العرس الجماعي هو تحدٍ للسلطات لتقوم بواجبها بتهيئة المسالك قبل موعد الفرح.

للاطلاع على تفاصيل هذا الحدث الكبير، البرنامج، وكيفية المشاركة ودعم هذه المبادرة الخيرية الرائعة، ندعوكم لزيارة الرابط التالي:

🎉 حدث لا يفوت في تينركوك

جمعية الهدى للأفراح تواصل مسيرة العطاء في طبعتها الـ 26


تفاصيل الأعراس الجماعية بتينركوك: الطبعة 26 (ديسمبر 2025)

نداء عاجل: المحاسبة قبل الإصلاح

في ختام هذا التحقيق، يرفع سكان عين حمو، ومن ورائهم كل الغيورين على منطقة تينركوك، جملة من المطالب المستعجلة إلى السلطات العليا في البلاد، وعلى رأسهم والي ولاية تيميمون ووزير الأشغال العمومية:

  1. فتح تحقيق ولائي ووزاري عاجل: لكشف ملابسات فشل مشروع الصرف الصحي، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة كل من تسبب في إهدار المال العام، سواء كانوا إداريين أو مقاولين.
  2. مشروع استعجالي للطريق: تخصيص غلاف مالي فوري لإعادة تعبيد طريق عين حمو وفق المعايير الحديثة، وليس مجرد “ترقيع” يزول مع أول هبوب للرياح.
  3. الإنصاف التنموي: إنهاء سياسة التهميش والمفاضلة بين القصور، وضمان توزيع عادل لمشاريع التنمية من طرف المجلس البلدي.
  4. فك العزلة الرقمية: إلزام متعاملي الهاتف النقال بتوفير تغطية شاملة للمنطقة وفك العزلة عن السكان.

إن سكان عين حمو لا يستجدون، بل يطالبون بحقوقهم الدستورية في العيش الكريم. الكرة الآن في مرمى المسؤولين، فهل من مجيب؟

للمزيد من المعلومات حول قوانين التنمية المحلية والصفقات العمومية في الجزائر، يمكنكم زيارة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.